روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | جامعة القرويين.. مصدر الثقافة الإسلامية في المغرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > جامعة القرويين.. مصدر الثقافة الإسلامية في المغرب


  جامعة القرويين.. مصدر الثقافة الإسلامية في المغرب
     عدد مرات المشاهدة: 3378        عدد مرات الإرسال: 0

عندما يتصفح الإنسان مصادر الحديث الشريف بتمعن يجد حلاوة فائقة في رحلته مع سيد الخلق وهو يشير ويقرّ وينهي ويثبت.

لكن يصبح للأمر طعم أخرى حين نستقي الحديث وعلومه من أهل الاختصاص دون وسائط.

وكم نحن سعداء أن نحاور أحد العاملين في حقل الحديث الشريف وعلومه! سعداء بهذا اللقاء مع الأستاذ الدكتور محمد السرار الباحث في الحديث الشريف والسيرة النبوية.

 ** د. محمد السرّار وقبل الحديث عن السيرة والإنجازات والطموح أو عن أي منابر وفضاءات علمية بالمغرب، دعنا نطوي الروتين ونقفز على المألوف في مثل هذه الحوارات، ونسأل عن حال القرويين اليوم؟

- بالنسبة للقرويين كما تعلمون هي من الجامعات القديمة في العالم الإسلامي، ومرت القرويين بمراحل منها التطور ومنها التجديد.. القرويين كانت هي المحضن للثقافة الإسلامية بالمغرب.

وهي التي صبغت الثقافة الإسلامية بالمغرب بصبغة معينة.

كانت القرويين ميدانًا للدرس ميدانًا للبحث في مختلف العلوم، العلوم الشرعية، العلوم اللغوية، علوم البحث من رياضيات ومنطق، أهم الإضافات التي أضيفت إلى المعرفة الإسلامية من طرف علماء المغرب أضيفت في هذا الصرح.

حينما نتحدث عن القرويين، فإننا نتحدث عنه باعتباره جامع القرويين وهو الذي ذكرناه، ثم جامعة القرويين.

وهي إطار جديد تابع لوزارة التربية والتعليم العالي وتتبعها كليات أربع بجهات المغرب؛ كلية الشريعة بفاس، وكلية أصول الدين بتطوان، وكلية الشريعة بأكادير، وكلية اللغة العربية بمراكش.

هذه الكليات الأربع تحاول أن تعيد دور القرويين في الإشعاع الثقافي والعلمي، ثم هنالك أيضًا مجال آخر تُذكَر فيه القرويين وهي الكراسي العلمية الحديثة والتي استحدثتها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب مشكورة.

وهذه الكراسي ما تزال مستمرة إلى الآن، وقد تخرّجت فيها أفواج بدرجة العالمية، وهذا مشروع طموح يحتاج إلى زيادة دعم فيما يتعلق بالأطر التي تُدرِّس وفيما يتعلق بظروف الطلبة وفي ما يتعلق بالتلقين، هذا بإجمال ما يمكن أن يقال عن القرويين.

** هل هي عوامل أسرية أم هو المحيط أم هي عوامل ذاتية.. تلك التي حملت الدكتور إلى رحاب علم الحديث الشريف، لينال هذا الشرف الكبير بخدمته لثاني مصادر التشريع؟

- في الحقيقة بالنسبة لي هذا الميل إلى الحديث الشريف كان بسبب المحيط القريب، محيط العلماء آل ابن الصديق الذين يجاوروننا بالعرائش وطنجة؛ فإشعاعهم العلمي وخصوصًا فيما يتعلق بخدمة الحديث النبوي الشريف وصل إلى عدة مدن وجهات. وقد كان لهم هذا التأثير الأوَّلي في ذلك الوقت، فالقرب منهم والتأثر بهم حملنا على السير على هذا النهج.

** المقلب لصفحات العلم وأعلام المغرب يجدها زاخرة زهية بالأفذاذ الذين تركوا بصماتهم في المغرب والمشرق، وذلك في مختلف المناحي العلمية من قراءات وحديث وتفسير ولغة وفقه.. لكن السؤال المحير أين هذه الكفاءات اليوم؟ هل تراها ركنت إلى القطرية وزهدت فيما دونها؟ أم هو التعتيم؟ أم أنّ المغرب نضبت خيراته؟

 - المغرب -والحمد لله- بلد معطاء وأرض ولود، والخير لا ينعدم بجميع أقطار المسلمين، فقد يقل العلماء أو قد يقل بعض المتخصصين في مجال من المجالات في فترة زمنية معينة، ثم يُعاود أهل تلك الجهة النهوض، على كل حال الكفاءات العلمية موجودة بالمغرب كثيرة ومتنوعة.

ويُنظَر إليها بتقدير كبير من إخواننا المشارقة، وهذا ما نلمسه حينما تصلنا أخبارهم، وحينما تحتك بهم الكفاءات العلمية عند زيارتها للمشرق أو حينما يزور إخواننا المشارقة المغرب فإنهم يعبرون عن مدى إعجابهم بهذا الكمّ الهائل والنوعي.

 ولهذا، فالأسماء التي تحضرني كثيرة جدًّا فيما يتعلق بالكفاءات العلمية الكبيرة جدًّا، لكن المجال لا يتسع لذكرها جميعًا، هي في الحقيقة كفاءات معروفة لا يمكن في الحقيقة في مجال السيرة أن يغفل اسم كالدكتور سيدي محمد إسداف، فيما يتعلق بالقواعد لا يمكن للإنسان أن يتجاوز الأستاذ سيدي محمد الروكي.

فيما يتعلق بالمقاصد أول من يطالعك اسمه الدكتور سيدي أحمد الريسوني، فيما يتعلق بعلم الحديث لا تستطيع أن تخفِي اسم الدكتور سيدي الحسين أيت سعيد محقق كتاب بيان الوهَم والإيهام، فيما يتعلق بالفكر الإسلامي الحديث والمذهب الأشعري وغير ذلك من المجالات والتأطير العلمي للعمل الاجتماعي لن يغيب اسم الدكتور سيدي مصطفى بن حمزة، وفيما يتعلق بعلم القراءات نجد اسم العلامة الشيخ سيدي عبد الهادي حميدو.

 ثم نجد أيضًا الأستاذ العلامة سيدي مولاي مصطفى البويحياوي، الذي تنفتح عليه بعض القنوات المشرقية وخصوصًا الشارقة، فيما يتعلق بالدراسات المصطلحية نجد شيخ الدراسات المصطلحية في العالم العربي الدكتور سيدي الشهد البوشيخي، فيما يتعلق بالإضافات الجديدة في تفسير القرآن الكريم والدراسات المفاهيمية له والإبداع في هذا المجال نجد الدكتور سيدي أحمد العبادي.

مع الانفتاح على الثقافات الأخرى الغربية والإجادة التامة لبعض لغاتها. أنا أعتذر لجميع الذين غابت عني أسماؤهم الآن في هذا الحوار.

كذلك لا يمكن أن نغفل المبدع في مجال المنطق العلامة المنطقي الكبير الدكتور طه عبد الرحمن فيما يتعلق بالتراث والمعرفة به والمعرفة بالخطوط وغير ذلك، ولا يمكن أن نتجاوز شخصية مثل الشيخ سيدي محمد بوخبزة، أطال الله في أعمارهم جميعًا، وهؤلاء غيض من فيض، القليل من الكثير.

 أما إذا ذهبنا إلى المجالات الأخرى مجال الدراسات في الأندلسيات واللغة التي تعد من العلوم الخادمة للعلوم الإسلامية، فإننا سنجد كمًّا هائلًا، وهنا لا يفوتني أن أشيد بشيخ فقهاء وأئمة المغرب وإمام أئمتهم العلامة الأصولي الكبير الدكتور سيدي محمد التاويل.

إذن فهذه الكفاءات العلمية الكبيرة كفاءات قلَّ أن يوجد لها نظير؛ لهذا فإن المغرب بلد معطاء لا يوجد به تعتيم أبدًا، فالمواقع الإلكترونية الآن زاخرة بأعمال هؤلاء، موقع إسلام أون لاين مثلًا منفتح على د. العلامة الفقيه سيدي محمد التاويل وفتاويه تعم الأرض، وبالنسبة لسيدي أحمد العبادي يدير موقع الرابطة المحمدية للعلماء.

إضافةً إلى انفتاح القناة السادسة على الكثير من هذه الكفاءات، التعتيم غير موجود فالمغرب زاخر بالعلماء، إنما ينبغي أن تُصرف العناية إليهم، هم موجودون وكفاءتهم ظاهرة فلا بد أن يلتفت إليهم، وفي الختام أعتذر مرة أخرى لجميع السادة العلماء والباحثين الأكفاء الذين غاب عني ذكر أسمائهم بسبب ضيق الوقت، وإطار هذا الحوار المرتجل، وقد ذكرت من حضر في ذهني على عجل.

 ** كيف ينظر الدكتور السرار إلى علم المقاصد وتطوره من الشاطبي إلى ابن عاشور وصولًا إلى الريسوني؟

- في الحقيقة علم المقاصد كما ذكرتِ وكما هو واضح من هذه الأسماء التي ذُكِرت، كاد أن يكون علمًا اختص به أهل المغرب العربي من الشاطبي الأندلسي إلى الشيخ ابن عاشور التونسي إلى الدكتور سيدي أحمد الريسوني المغربي.

فهو كاد أن يكون من اختصاص أهل هذه الجهة. كما تعلمون أنّ الإمام الشاطبي يُعدُّ أكثر من لفت الأنظار إلى المقاصد، بالنسبة للشيخ الطاهر بن عاشور له مؤلف رائد في المقاصد.

ودعا فيه إلى جعل علم المقاصد علمًا مستقلًا، بالنسبة لمن جاء بعد الشيخ الطاهر بن عاشور وعلى رأسهم الدكتور سيدي أحمد الريسوني، فإنّ هذا الأخير يحاول من خلال المقاصد أن يؤصِّلَ قواعد المقاصد وأن يبتدع مجالات أخرى لها، وأن يُرجِع أفعال المكلفين التي طرأت والتي تجددت إلى المقاصد.

وأن يُستَعمَل الفهم المقاصدي في المعالجة الفقهية لهذه المستجدات، وهذا الفهم بالنسبة لي هو الأقدر على التوصل إلى أصوب الأحكام وإلى أولاها بالاتباع، وأسلمها من الأخطاء والزلل.

 ** بما أنّ الدكتور رجل اختصاص، هلاَّ أماط لنا اللثام عن "همس" يدور في حظائر العلم مفاده أن هناك جفاء تاريخيًّا بين أهل الحديث وفقه المقاصد؟

 - هو في الحقيقة لا يوجد هنالك ما تذكرونه من جفاء بين الاختصاصات العلمية؛ فالعلم رحِم بين أهل العلم، والرحم تقتضي نوعًا من الصلة وتبادل المودة، وفيما يتعلق بالجفاء فما أظن أنه وُجِد بين أئمة المقاصد وخَدَمة حديث النبي؛ لأنّ وجهتهم واحدة، ذلك أنّ المُحَدِّث شُغله أن ينظر في الجرح والتعديل والتصحيح والتجريح.

وأن يُعِدَّ المادة التي يشتغل عليها المقاصدي، أمّا المقاصدي فإنه ينظر إلى نصوص الشريعة من قرآن وحديث نبوي شريف فيستخرج من جملة ذلك مقاصد الدين، ويستدل أيضًا على المقاصد التي يستخرجها بهذه النصوص.

 إذن، فعمل المقاصدي وعمل المحدث متكاملان يُكمل أحدهما الآخر ويبني أحدها الآخر، ليس بينهما تنازع على محل واحد ولا اختلاف على موضع واحد، هم لا يتنافسان ولا يتنازعان، وإنما عمل كل واحد منهما يُكَمِّلُ الآخر.

ولهذا فبعض العلماء -رحمهم الله، إضافةً إلى ما كان لهم من المعرفة العميقة بعلوم الحديث- كانت لهم بدون أدنى شك معرفة واسعة جدًّا بعلم المقاصد باعتبارهم فقهاء وكونهم أصوليين؛ فالجمع بين المقاصد وعلم الحديث هو أجمل، فلا تنافر بين هذا وذاك أبدًا.

 ** بحكم إشرافك على مادة الحديث بمعهد تكوين الأئمة والمرشدات، كيف هو المستوى العلمي لهذا المعهد؟ وهل يركن ويطمئن المتلقي إلى خريجاته، وفيما إذا كان بإمكانهنّ إحداث إضافة إيجابية في الساحة الدعوية المغربية؟

 - معهد تكوين الأئمة والمرشدات معهد تابع لوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمغرب، وهو تجربة رائدة في العالم الإسلامي، ولأول مرة في المغرب فتِح معهد لتكوين مرشدات ينخرطن في الشأن الديني على المستوى الرسمي، كان هذا التكوين قبل ذلك تكوينًا غير رسمي، والآن أصبح تكوينًا رسميًّا، فدعم التكوين الرسمي جهودًا أخرى سابقة والتي كانت قد بُذِلت في معاهد وجمعيات أخرى، وجهد الجميع مشكور.

 المعهد هذه السنة أتمّ من عمره ست سنوات، ولا شك أنّ التجربة ما تزال حديثة، ومع ذلك فإنّ النتائج التي ظهرت ولو مع حداثة هذه التجربة دلت على أهمية هذا المشروع؛ لذلك أقول هذا من الأعماق أنا شديد الاقتناع بهذا المشروع، وانخرطت فيه انخراطًا كبيرًا فيما يتعلق بالمادة التي أدَرِّسُها.

الطلبة الذين ينتسبون إلى المعهد من نوعية جيدة، ذلك أنه يشترط في الطالب أن يكون حافظًا للقرآن الكريم كاملًا، وأن يكون حائزًا على إجازة في جامعة من الجامعات، وأن تكون نُقَطه عالية حيث يكون نجاحه في كل السنوات بميزة مستحسنة على الأقل، ثم يخضع للانتقاء.

وبعد ذلك تكون هناك مقابلة علمية في القرآن الكريم لاختبار جودة الحفظ ومراعاة القواعد، ثم في المعلومات العلمية في مختلف المجالات التي درسوا فيها من فقه وحديث وعلوم القرآن ولغة وآداب وما إلى ذلك. فعلى كل حال.

قاعدة الاختيار دقيقة، نفس الشيء بالنسبة للمرشدات إلا أنه بالنسبة لحفظ القرآن الكريم يشترط في المُرشِدة أن تكون تحفظ جيدًا على الأقل نصف القرآن الكريم أي ثلاثين حزبًا، مراعاة للجانب الاجتماعي على أن تُكمِلَ حفظ ما تبقي من القرآن الكريم خلال دراستها بالمعهد.

وعليه فإنّ هذا المعهد يبشر بكل خير وعطاؤه -ولله الحمد- ظهر، وغطّى مجالات العمل النسوي، فأغلب المرشدات ناجحات جدًّا في العمل التعليمي والاجتماعي، ذلك أنهنّ لا يخضن العمل التعليمي فقط بكل ما فيه من مشاق وما فيه من ضرورات، وإنما دخلن أيضًا في العمل الاجتماعي فانفتحن على السجون والإصلاحيات والمدارس والمستشفيات ومراكز الطفولة المتخلى عنها وما عدا ذلك.

وأنا في الحقيقة -ومن خلال متابعاتي لهذه الأعمال- معجب بذلك وأهنئهنّ، وأغتنم هذه المناسبة لأهنّئ اللائي ظهرن في برنامج كان قد أعِدَّ من طرف القناة الثانية المغربية حول تجربة المرشدات خصوصًا في رمضان.

وحاول مُقدم البرنامج أن يتتبع بعضهنّ في العمل فدخل معهنّ إلى السجون والإصلاحيات ليسلّط الضوء على هذا الجهد الضخم الذي قمن به هؤلاء المرشدات.

 كما كانت هناك جوائز تُقَدّم للمتفوقات وقد مُنحت لإحداهنّ، وهذا إنجاز كبير أن يفوز هذا المعهد رغم حداثة تكوينه، وكانت هذه المرشدة من خريجي الدفعة الثانية للمعهد؛ فالعمل كبير والنتائج بنظري هي أكبر بكثير من تاريخ وجوده، ونفس ما قيل على المرشدات يُقال عن الأئمة.

والآن عملية تأطير الحجاج وخدمتهم تتم منذ ست سنوات من خلال الأئمة والمرشدات، يعني جزء كبير من التأطير العلمي وحتى جزء من الإداري يتم من طرف هؤلاء.

 ** ما رأي الدكتور في ما ذهب إليه بعض المهتمين بالحديث وعلومه والذين يحيون من الحين إلى الآخر بعض المطالب القديمة الجديدة التي تحث على إعادة النظر في صحيحي البخاري ومسلم؟

 * إعادة النظر من أي جانب؟!

لا شك أن كتاب البخاري -رحمه الله- كتاب وضعه إنسان، وعمَلُ الإنسان كيفما كان عمل قابلٌ للمناقشة وقابل للإضافة.

ولكن بالنسبة لي هذه القابلية للمناقشة لا يستطيعها إلا أهله؛ ولهذا فإنّ صحيح البخاري وصحيح مسلم -رحمهما الله- نوقشا ولكن من قِبَلِ عمالقة كبار رحمهم الله، ذلك أنّ الدارقطني -رحمه الله- ناقش البخاري في بعض الأحاديث واستدرك عليه أخرى.

والحاكم استدرك على البخاري، سُلَمت له بعض الأحاديث ولم تسلم له أخرى، وابن مسعود الدمشقي فعل نفس الشيء، والإمام الأندلسي الجياني فعل نفس الشيء، ولكنها مناقشات علمية على مستوى عالٍ جدًّا من الرقي؛ فالإمام من هؤلاء يُبدي رأيه في القضية وقد يكون الحق فيها مع البخاري لا معه.

 إذن هذا المستوى العلمي للنقاش دال على بلوغ حركة الحديث في العصر الذي وجد فيه لأعلى مستوياتها، حينما تكون مناقشة صحيح البخاري ومسلم مناقشة أهل الصنعة.

فذلك مؤشر دال على بلوغ علم الحديث في تلك الفترة إلى مستوى عال، لكن فيما يتعلق بالخلط والمشاغبة وكلام غير أهل الاختصاص، فإنّ هذا الأمر لم ينقطع، ما تزال تظهر في الأمة الإسلامية أصوات نشاز تدعو بعضها إلى إلغاء السنة، وغير هذه من الدعاوي، فهذا نوع من الهجوم غير العلمي على عمل علمي متقن بشكل كبير.

كل صنعة متقنة بالغة الإتقان لا تعدم الخصوم، والمشنعون ليسوا من أهل الاختصاص.

والذي يناقش ويحترم رأيه هو المختص؛ لهذا إذا تكلم مهندس في علم الطب فإنّ الأطباء يصدونه، نعم يحترم رأيك لكن في مجالك الخاص، فحينما تقول لا رأي لفلان فإنّك لا تقمعه ولا تُصادر حريته، وإنما تقوم بذلك احترامًا للعلم.

 وعلى هذا فإنّ هؤلاء الذين ترتفع أصواتهم بهذا اللغط ليسوا من أهل الاختصاص.. نعم إذا كان الإنسان مُحَدِّثًا كبيرًا وحافظًا ناقدًا وعالمًا بالعلل فهذا له الأهلية بأن يُناقِشَ البخاري رحمه الله، والآن ترتفع أصوات العلماء لا يهاجمون أصل الفتوى وإنما يهاجمون هؤلاء الذين يتطفلون على الفتوى، التطفل هو الذي يُهاجَم، وأما إذا كان الإنسان مجتهدًا فإنّ باب الاجتهاد ينفتح تلقائيًّا في وجهه.

 كذلك الحال بالنسبة لعلم الحديث وكثير من العلوم الأخرى، كعلم الأصول لا يحق مثلًا للعوام أن يُهاجموا كتاب المستصفى للإمام الغزالي أو أن يهاجموا كتاب جامع الجوامع لابن السوكي وهي من أعظم كتب الأصول، أو لا يحق لإنسان لا علاقة له بالنحو أن يهاجم ألفية ابن مالك.

كما لا يحق لمن لا يفقه مقاصد الشريعة ولا يعرفها مهاجمة العز بن عبد السلام أو الشاطبي أو العلامة ابن عاشور.

فهذا أمر لا ينبغي أن يكون، وإنما إذا كان الإنسان مثل هؤلاء وعلى قدم هؤلاء ويمشي معهم على نفس البساط، فله الحق أن يُبدِيَ رأيه في القضايا التي يتناولها إما بموافقة أو مخالفة.

وعلى هذا، كان للبخاري -رحمه الله- عمل ينحصر في أمرين اثنين: ينحصر في تعديله لهؤلاء الرجال الذين روى عنهم في صحيحه، ذلك أنّ رواية البخاري عنهم تستلزم أنهم من العدول الضابطين، ثم العمل الثاني هو أنه صحح تلك الأحاديث أي قال إنها أحاديث متصلة ومن أهل العدالة والضبط رواتها.

وأنها سليمة من كل شذوذ، وسليمة من كل عِلَّة، هذه قضايا علمية بحتة. ومن أراد تناول صحيح البخاري لا يعقل أن يطعن في مصنفه بحجة مخالفة العقل، وأنّه لا يصلح للعصر الذي نعيشه، وغير هذا من الحجج الواهية.

 البخاري رجل صاحب صنعةِ وهو بارِعُ الإتقان فيها، من كان مثله -ولا أقصِد أنه سيصل إلى مبلغِ البخاري أو يُقارب ذلك، ولكن أقصد من يُشارِكه في صنعة الحديث، ويعرف قضايا علم الحديث، قواعد علم الحديث، ويقدر أن يدخل في التعديل والتجريح، ويقدر أن يعلل الأحاديث.

ويقدر أن يُثبِت الشذوذ أو ينفِيَه- فيستطيع هذا أن يُبدِيَ رأيه في صحيح البخاري، ولا يصح كذا وكذا من العلل، وهذا هو العمل الذي صنعه العلماء الكبار، منهم من يعتقد أنّ الأمة الإسلامية تُقدِّس البخاري كما تُقَدِّس القرآن مثل هذا الكلام الفارغ... صحيح البخاري كتاب في غاية الدقة وفي غاية الإتقان.

ولهذا يقول فيه العلماء إنه أصح كتاب بعد كتاب الله؛ نظرًا لذلك التميز الذي تميز به الإمام البخاري رحمه الله.

** كلمة عن مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالرابطة المحمدية للعلماء.

- أسست الرابطة المحمدية للعلماء مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بمدينة العرائش، قصد الإسهام في المحافظة على الثوابت الدينية، وتدعيم الأمن الروحي للأمة، من خلال إبراز جهود أهل المغرب في خدمة الحديث الشريف، والسيرة النبوية المحمدية المطهرة عبر مختلف العصور.

 وارتأت الرابطة كذلك أن تُحدِثَ مراكز متعددة للبحث، كل مركز منها متخصص في مجال من مجالات المعرفة، واختارت أيضًا أن تكون هذه المراكز موزعة أي لا مركزية؛ ولهذا يوجد مركز في الرباط لخدمة التراث.

يوجد مركز في مدينة مراكش يُعنى بالقراءات، يوجد مركز في طنجة يُعنى بالصحابة والتابعين، يوجد مركز بتطوان للدارسات الأدبية واللغوية.

وكان من نصيب المدينة التي أسكن فيها ومن تشريف الأمين العام للرابطة لها الدكتور أحمد العبادي أن اختارها لتكون حاضنة لهذا المركز، مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة، واختير لهذا المركز هذا الاسم الذي هو ابن القطان تيَمُّنًا بهذه الشخصية الكبيرة الفذَّة.

فهو من أعظم علماء الحديث بالمغرب، وله كتاب رائد في العلل يسمى "بيان الوهَم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام"، والكتاب طُبِع وحققه الدكتور الحسين أيت السعيد.

 والمركز سيعنى بطبيعة الحال بالدراسات والأبحاث في مجالين مجال الحديث ومجال السيرة، وسيعنى بتحقيق النصوص وإنجاز الأبحاث والدراسات، ستكون هذه الأخيرة مدعومة بالندوات وبورشات علمية وبمجلة سيصدرها المركز قريبًا إن شاء الله وعنوانها "الشفا"؛ تيمُّنًا أيضًا بكتاب القاضي عياض.

وسنحاول أن تكون هذه المجلة في المستوى المطلوب، ستغلب عليها الدراسات المتعلقة بالحديث والمتعلقة بالسيرة النبوية العطرة... هذا بإجمال شديد ما يتعلق بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث والسيرة، وهو كما قلت تابع للرابطة المحمدية للعلماء.

** عند حديثك دكتور السرار عن مناشط المركز استعملت حرف "السين"، فهل المركز حديث عهد بالتأسيس؟

- نعم، المركز تأسس من حوالي شهرين فقط.

 ** هل يتمتع الدكتور بالحرية الكاملة في ما يقدمه من مادة خلال البرنامج الناجح "من سنن الرسول" الذي تبثه القناتان الأولى والمغربية؟

 - أقول بكل صدقٍ وبكل حرية كاملة: أتمتع بحريتي التامة الكاملة فيما يتعلق بالاختيار، وفيما يتعلق بالتقديم، ولكن أنا أعرف أنّ هذه الحرية ينبغي أن تكون مضبوطة بالقيود العلمية؛ ولهذا فإنّ أي متحدث في أي مجال يتقيد بالقيود العلمية المضبوطة، إذا كنت تتحدث في مجال الأصول فتقيد بالقواعد العلمية المضبوطة.

وهكذا في الحديث وفي الفقه.. فلن تجد أحدًا يمنعك من ذلك، وعلى هذا فالضوابط العلمية التي قررها العلماء أحاول أن أتقيد بها، ولي الحرية الكاملة في طريقة العرض وفي ما أختاره وأنتقيه من المعاني التي أريد أن يعرفها متابع البرنامج.

 نتقدم بالشكر الجزيل لأستاذنا الدكتور محمد السرار على هذا الحوار الشائق والثري، سائلين المولىأن يبارك فيه وفي جهده ومسعاه.

 الدكتور محمد السرار في سطور:

- الدكتور محمد السرار من مواليد مدينة العرائش بالمغرب.

 - رئيس مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالرابطة المحمدية للعلماء.

 - عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة، جامعة القرويين - فاس.

 - أستاذ زائر بدار الحديث الحسنية - الرباط.

 - عضو المجلس العلمي المحلي بالعرائش.

 - أستاذ مادة الحديث بمعهد تكوين الأئمة والمرشدات - الرباط.

 - معد ومقدم برنامج "من سنن الرسول" الذي تبثه القناتان الأولى والمغربية.

الكاتب: محمد الجوهري

المصدر: موقع إسلاميات